الاثنين، 7 مارس 2016

سد كجبار.. الامتداد الحضاري




لو المشكلة أصلاً في إقامة سد كجبار أو دال أو الشريك.. فهي ستكون نفس مشكلة إقامة سدود سنار والروصيرص ومروي.. هي مشكلة طبيعية إذن يمكن جبر الضرر المتولد منها.
> لو المشكلة الآثار التي تحدث عن حضارة يصل عمقها إلى سبعة آلاف عام، فإن هذا أمر دولة وليس قبيلة من القبائل أو مجموعة إثنية قد لا تكون ذات نقاء عرقي بعد أن أخبرنا التأريخ عن بعض الهجرات التي أحدثت التصاهر.
> ويحدثنا التأريخ عن علاقة المحس بالخزرج.. وعن علاقة بعض الإثنيات الإثيوبية قبل مئات السنين قبل الإسلام ببعض القبائل السودانية. فأمر الآثار هو أمر دولة.. ينبغي أن ترعاها الدولة كما تفعل الآن في القرية التراثية.. أو القرية الآثارية إذا أردنا التصحيح.
> ولو المشكلة هي التوجس من ألا يكون التعويض مجزياً.. فهذه إن كانت مشكلة حكومة معينة ولها في ذلك سابقة، فإن السؤال هنا: ما ذنب الأجيال القادمة بعد ذهاب هذا الجيل إلى المقابر؟! وبمثلما يهتم بعض أبناء هذا الجيل بآثار الحضارة ويتخوفون عليها من الزوال ظناً أن مشروع السد سيزيلها.. فإن الدولة حريصة على ألا تتحمل مسؤولية تأريخية وتأتي الأجيال الجديدة وتجد آثار الجوع والفقر والجهل والمرض فوق الموارد المتاح استغلالها وأهمها مياه النيل. سيسأل التأريخ هذه الدولة قائلاً: لماذا لم تجهزي للأجيال الجديدة بنى تحتية لإنتاج الطاقة والثمار واللحوم والألبان؟! هل الإجابة هي «لم أجهزها من أجل الحفاظ على الآثار في مكانها»!!! وآثار التنمية كحضارة «اقتصادية» إيجابية لماذا لا تكون امتدادًا لآثار حضارة الحكم والتقديس والإبداع في نحت الجبال!!! لماذا لا ندع من أجل إنسان كل الوطن «هذه المرة» وليس إنسان إقليم النوبيين فقط أن تعانق حضارة الحكم وبناء الأهرام حضارة الاقتصاد في المستقبل؟! وأيهما أولى بالتضحية من أجل الآخر؟ هل نضحي بحضارة الاقتصاد من أجل استبقاء الآثار في مكانها دون تحويل؟! أم أن الصحيح هو أن نقيم حضارة الاقتصاد والتقدم «يا تقدميين» لتشكر الأجيال القادمة هذا الجيل على هذا الامتداد الحضاري؟!
> ونسأل أهل هذه المنطقة.. إن كانوا يرفضون إقامة السد في منطقتهم، هل أيضاً سيعترضون على إقامته في منطقة أخرى؟! والسدود المقامة في مناطق أخرى يستفيد منها كل أهل السودان.
> فإن لم تصل إلى مناطقهم الطاقة الكهربائية المنتوجة منها فمن مناطقهم قد هاجر الكثير الكثير إلى المناطق التي تصلها الطاقة هذه... أكبرها ولاية الخرطوم.
> سد مروي لا يمد قرى كثيرة في الشمالية بالتيار الكهربائي.. لكنه يمد مناطق كثيرة جداً في ولاية الخرطوم يسكن فيها أبناء الشمالية شمال دنقلا وجنوب وادي حلفا. وسد مروي لم يكن أصلاً للاكتفاء من الطاقة الكهربائية وري المشروعات الزراعية.. لكنه لتقليل الحاجة إليهما بقدر كبير. وتأتي مشروعات ثلاثة سدود لتزيد من عملية التقليل. والاعتماد مستقبلاً على المواد البترولية مثل الجازولين والغاز متوقع أن يكون مشكلة في حد ذاته.. وتوفير المياه يبقى مطلوباً في المستقبل بكميات كبيرة لن تحبسها بحيرات السدود القائمة الآن.. ولعلنا من حين إلى آخر نقرأ عن نوع الحرب المستقبلية «حرب المياه». والحرب العالمية الثانية «حرب القتل بالنار». خلفتها الحرب الاقتصادية التي شنتها واشنطن على موسكو حينما كانت عاصمة اتحاد الجمهوريات السوفيتية.. كانت تلك «الحرب الباردة».. ومواصلة لها ستقود إسرائيل حرب المياه.. لأنها تخشى من تنمية وتقدم وازدهار الدول الإفريقية.. وهي تلاحظ الآن تناغم الحكومات الإفريقية أو أغلبها في إطار الاتحاد الإفريقي.
> ونعلم ونقدر أن أهل المنطقة إذا رفضوا إقامة مشروع مهم وضروري في منطقتهم مثل بناء السد.. فيبقى رفضهم طبيعياً وتلقائياً.. لكن قد يتعرضون للتحريض على رفض الجلوس لأي حوار أو توضيح.
> والتحريض لو كان قادماً ومدعوماً من الخارج، فإن من سيكونون وكلاءه بالداخل، هم من خلفوا في مهمة التدمير الوطني من تظاهروا في بداية ستينيات القرن الماضي ضد المعونة الأمريكية.
> فكانت تظاهرتهم مزايدة سياسية، ومتوقع أن تجدد هذه المزايدة من أناس ليسوا من أهل الشأن ضد «المعونة السعودية». فسماسرة السياسة الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، مستعدون للوقوف على باب أية قضية قابلة للتضليل بها.
> لكن مصلحة أهل كجبار التي ستكون مدينة شهيرة مثل كسلا بعد السد ــ وهي الآن قرية شهيرة ــ هي أن تناقش هذه القضية التنموية السامية بروح طيبة بعيداً عن المؤثرات السياسية سواء كانت داخلية مباشرة أو خارحية غير مباشرة. لكن أهل كجبار والقرى المجاورة لها فيهم من يفهم ما معنى أن يكون سد كجبار امتداداً حضارياً.. وأهدي إليكم معلومة مهمة.. هي أن سد كجبار سيكون أفضل السدود من حيث الموقع والاستفادة والامتداد الحضاري.. امتداد بشكل اقتصادي ضروري جدًا هذه المرة
.

خالد حسن كسلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق